الديمقراطية المفقودة وملف “قوائم الظل” في سوريا

منذ عقود طويلة والسوريون يدفعون ثمن غياب الحياة السياسية الحرة والنزيهة. أحد أبرز مظاهر هذا الغياب هو ما عُرف بـ”قوائم الظل” داخل البرلمان السوري، والتي تحوّلت إلى أداة لإقصاء المنافسين الحقيقيين، وضمان سيطرة السلطة على العملية الانتخابية بشكل كامل. لقد حُرم الشعب من المشاركة الفعلية في صناعة القرار، وغابت إرادته عن مؤسسات الدولة، لتبقى هذه القوائم شاهداً على تزييف الديمقراطية وتهميش التمثيل الشعبي.
بعد الاستقلال عام 1946، شهدت سوريا حياة برلمانية ناشئة، كان فيها نوع من التعددية السياسية والمشاركة الشعبية، رغم ما رافقها من أزمات وصراعات داخلية. لكن مع انقلاب حزب البعث عام 1963، انقلب المشهد كلياً، فتوقفت الممارسة الديمقراطية الحقيقية، وحلّت مكانها سلطة الحزب الواحد، لتبدأ مرحلة جديدة عنوانها تغييب الشعب وتعطيل مؤسساته.
إن الثورة السورية التي اندلعت عام 2011 لم تكن سوى امتداد لتلك التراكمات التاريخية من القهر والاستبداد، ورفضٍ لسياسات الفساد والمحسوبية والتمييز. أربعة عشر عاماً من الثورة مثّلت صراعاً طويلاً ضد الطغيان، دفع السوريون خلاله ثمناً باهظاً: مئات الآلاف من الشهداء والجرحى، وملايين المهجرين، ودماراً هائلاً في المدن والبلدات. ومع ذلك، ظلّ مطلب الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية حاضراً في وجدان الشعب السوري، باعتباره الأساس لأي مشروع وطني جامع.

اليوم، وبعد كل ما جرى، تبدو الحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى معالجة جذرية لملف “قوائم الظل” وكل ما يرتبط به من تزييف انتخابي وسياسي. فالتعويض الحقيقي للشعب السوري لا يكون بالمساعدات أو الخطابات، بل بإعادة بناء نظام سياسي ديمقراطي يضمن تداول السلطة، ويكفل الحقوق والحريات، ويضع حداً لحقبة الاستبداد التي أفرغت البرلمان من مضمونه وحوّلته إلى واجهة شكلية.
إن مستقبل سوريا لن يُبنى إلا على أساس مشاركة جميع مكوّناتها، دون إقصاء أو تمييز، وبعقد اجتماعي جديد يطوي صفحة الماضي، ويؤسس لدولة مؤسسات عادلة، يكون فيها البرلمان تعبيراً صادقاً عن إرادة الشعب، لا عن إرادة السلطة.

بقلم الدكتور .ادهم باشو سياسي سوري مستقل