العدالة الانتقالية في سوريا: الطريق نحو المصالحة والتعافي

بقلم المحامي خالد البقيرات /
بالمفهوم العام تختلف وسائل الاثبات الأدلة القانونية التي يتوجب توافرها لاكتمال أركان الجريمة الجنائية في المحاكم الجنائية العادية، عن الأدلة والإثباتات المطلوبة أثناء تطبيق مبدأ العدالة الانتقالية، حيث تتطلب المحاكم الجنائية العادية أدلة إثبات قطعية في حين لا يمكن تطبيق هذه الشروط أثناء تطبيق مبدأ العدالة الانتقالية، كما هو الوضع في الحالة السورية، حيث يصعب توجيه الاتهام ضد شخص أو أشخاص محددين وتقديم كافة الأدلة والإثباتات ضدهم، على الرغم من وجود ألاف بل مئات ألاف الجرائم المرتكبة بحق الشعب السوري لذلك لابد هنا من تطبيق مبدأ العدالة الانتقالية.
لذلك تُعدّ العدالة الانتقالية نهجًا ضروريًا للتعامل مع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي وقعت خلال الثورة السورية، وهي تهدف إلى تحقيق العدالة، جبر الضرر، والمصالحة الوطنية في سوريا، يُعتبر تطبيق العدالة الانتقالية خطوة محورية نحو بناء مستقبل مستدام.
كما تشمل العدالة الانتقالية مجموعة من الآليات والإجراءات مثل المحاكمات، لجان الحقيقة، برامج التعويضات، والإصلاحات المؤسساتية، تهدف هذه الجهود إلى معالجة الانتهاكات من خلال مساءلة مرتكبي الجرائم وتعويض الضحايا، مما يسهم في تعزيز مبدأ سيادة القانون ومنع تكرار الانتهاكات.

. معوقات تطبيق العدالة الانتقالية في سوريا
رغم أهميتها، تواجه العدالة الانتقالية في سوريا العديد من التحديات، أبرزها:
لابد بداية من توافر الإرادة السياسية و المجتمعية في الداخل السوري والتوافق الوطني حول آليات العدالة الانتقالية و الالتزام بتنفيذها.
تدمير البنية التحتية:
خلال سنوات الثورة عمد النظام البائد إلى إضعاف المؤسسات القضائية والإدارية ورضوخها لتعليمات الأجهزة الأمنية، مما يجعل من الصعب تأسيس نظام عدالة مستقل وفعال.
كذلك أعتقد أن ضحايا النظام البائد ليس لديهم أي ثقة بنظام قضائي كان جزء و عونا للنظام الساقط على تبرير جميع الأفعال الإجرامية التي كانت ترتكبها عصابته المجرمة وتمعن في إيذاء الشعب السوري المقهور الذي لاحول له ولا قوة له.
الإرادة الدولية:
لابد لتفعيل وتطبيق مبدأ العدالة الانتقالية من إرادة وتعاون دولي عالي المستوى من أجل محاكمة، و محاسبة مرتكبي جرائم كانت تصل إلى حد التطهير العرقي بحق الشعب السوري، و جميع الأشخاص الذين تعرضوا للأذى على يد هذه العصابة المجرمة، وهنا لابد من القول أن تعدد المصالح الدولية والإقليمية في سوريا يزيد من تعقيد الوضع، حيث تستخدم بعض الأطراف العدالة الانتقالية كأداة لتحقيق أهدافها السياسية.
الطريق إلى الأمام يتطلب تطبيق العدالة الانتقالية في سوريا وإشراك جميع الأطراف الوطنية والدولية والمنظمات الحقوقية المهتمة بهذا الشأن، في عملية شاملة تهدف إلى المصالحة وإعادة الإعمار. يجب إنشاء آليات محايدة لتوثيق الانتهاكات، تقديم تعويضات عادلة للضحايا، وضمان تمثيل جميع المكونات السورية في هذه الجهود. كما أن تعزيز دور المجتمع المدني وتشجيع الحوار الوطني يُعتبران خطوات أساسية نحو تحقيق هذا الهدف.
الخاتمة
رغم الصعوبات الجسيمة، تبقى العدالة الانتقالية حجر الزاوية في تحقيق الاستقرار في سوريا. هي ليست مجرد مسألة قانونية، بل أداة لإعادة بناء الثقة وتمكين السوريين من طي صفحة الماضي والمضي قدمًا نحو مستقبل أكثر إشراقًا.