تحت المجهر

حين يتألم الإنسان يصمت القانون

قراءة إنسانية في رسالة: تجريم التعذيب في القانون الدولي وأثره على التشريع السوري

بقلم: أحمد محمود الأحمد

الكرامة أول القانون

ليست القوانين نصوصًا جامدة تُكتب بالحبر، بل أرواحٌ تُسقى من كرامة الإنسان.
فحين تُهان الكرامة، يضيع معنى القانون مهما ازدانت صفحاته بالمبادئ.
التعذيب هو أقسى ما يمكن أن يواجهه الإنسان من قهرٍ، لأنه لا يسرق الجسد فحسب، بل يسلب الروح أيضًا.
ومن هنا بدأت رحلتي البحثية، لأفهم كيف يمكن أن يقف القانون إلى جانب الضحية، لا إلى جانب الجلاد.

جريمة بلا مبرر

في القانون الدولي، لا مبرر للتعذيب.
لا حرب، ولا طوارئ، ولا أوامر عليا يمكن أن تبرر الألم المقصود الذي يُلحق بإنسان لمجرد أنه “آخر”.
اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب عام 1984 كانت صوتًا عالميًا ضد الصمت، أكدت أن كرامة الإنسان ليست شأنًا داخليًا لأي دولة، بل مسؤولية مشتركة بين البشرية جمعاء.
لكن، ما أبعد النصوص عن الواقع حين تُغلق الأبواب، ويُترك الضعفاء وحدهم في مواجهة الألم!

266803285 3126185661037681 735846856156974711 n 660x330

سوريا والوجع الطويل

في سوريا، كما في كثير من مناطق العالم التي مزقتها الصراعات، لم يكن التعذيب حادثًا عرضيًا، بل ممارسةً ممنهجة.
توارى القانون خلف الجدران السميكة، وصار الخوف هو السلطة العليا.
ورغم أن التشريع السوري حاول، من خلال قانون 16 لعام 2022، أن يضع حدًا لهذا السقوط الأخلاقي، إلا أن الخطوة ظلت ناقصة:
فلا ضمانات حقيقية، ولا رقابة مستقلة، ولا إرادة سياسية تضمن العدالة.
ما زال النصّ يتنفّس، لكن العدالة تختنق.

حين يصمت القاضي

القاضي الذي يخاف، والسجين الذي يُنسى، والمواطن الذي يصمت — ثلاثية تصنع بيئة التعذيب.
في دراستي حاولت أن أقدّم قراءة تتجاوز النصوص نحو الواقع؛ أن أضع العدالة في مواجهة الخوف.
اكتشفت أن القانون في بلادي يحتاج قبل التعديل إلى تحرير:
تحرير من الخوف، ومن الولاء للأقوى، ومن التسييس الذي يحول العدالة إلى أداة في يد السلطة.

الإنسان قبل النظام

مكافحة التعذيب ليست معركة قانونية، بل معركة إنسانية في جوهرها.
هي نضالٌ من أجل الإنسان، قبل أن تكون دفاعاً عن مادة قانونية أو اتفاقية دولية.
فحين يختار المجتمع أن يحاسب من يعذّب، فإنه لا يحمي الأفراد فقط، بل يحمي صورته عن نفسه، ويعيد تعريف معنى الدولة بوصفها بيتًا للكرامة لا للسجون.

طريق الإصلاح

الإصلاح لا يبدأ من نصٍ جديد، بل من إرادة صادقة تؤمن أن العدالة لا تُؤجل.
ولذلك أوصيت في رسالتي بأن تكون هناك:
• هيئة وطنية مستقلة تراقب السجون وتستقبل شكاوى الضحايا.
• قضاء لا يخضع إلا لضميره.
• قوانين تضمن المحاسبة، دون حصانات أو استثناءات.
• ومجتمع مدني يرى في الضحية إنسانًا لا رقمًا في تقرير.

من الألم يولد الأمل

لقد كتبت هذه الدراسة وفي قلبي يقين: أن سوريا التي تألمت كثيرًا، قادرة على النهوض حين تتصالح مع العدالة.
فالتعذيب لا يُدمّر الأجساد فقط، بل يُخرّب الإيمان بالوطن.
ومتى استعدنا العدالة، استعدنا الوطن.

هذه الرسالة ليست بحثًا أكاديميًا فقط، بل شهادة إنسانية على أن القانون بلا ضمير، جدارٌ بارد لا يحمي أحداً.
وأن بناء العدالة في سوريا يبدأ من إنصاف من تألموا بصمت، ومن الاعتراف بأن الكرامة ليست هبة من السلطة، بل حقٌّ يولد مع كل إنسان.

زر الذهاب إلى الأعلى