عندما تتحول الكلمة سلاحاً

بقلم حنين حديفة| محامية و ناشطة حقوقية
في البدء كانت الكلمة “عبارة” كثيرا ما نرددها لنشير من خلالها إلى قصة الخلق بشكل رئيسي ، ومن ثم أصبحت تتجلى أهمية الكلمة في حياتنا اليومية، وبدأت تظهر أثارها على نفوسنا ، فما هي ٱثار تلك الكلمة التي تتصدى للدفاع عن حق مسلوب وتحارب عدو و تنصر مظلوم و تظلم آخر .؟.
وللإجابة على سؤالي هذا لا نحتاج كثيرا من التفكير ، فكم من أمةٍ اعتمدت الكلمة سلاحاً لتعزيز مقاومتها وتغذية نار ثورتها وتحريرها .
وكلمتي اليوم ستكون الطائفية وهي سلاح ذو حدين ، ترفع من فئة ما ، وتخفض من أخرى ..
وبالحديث سيكون البدء من الشرخ الطائفي في سورية الذي لا يعتبر وليد الأمس ، فالطائفية موجودة ويتم ممارستها في الدولة والمجتمع ، وإن التستر وغض البصر عنها لا يعني أنها غير موجودة .
قد يبدو للوهلة الأولى أن المجتمع السوري متجانساً .. لكن إن أمعنا النظر لوجدنا أن هذا المجتمع المتناسق ظاهرياً تهشم مع أول تصدع وانهيار للسلطة .
في اللحظات الأولى لانتصار الثورة في سوريا استطاعت مشاعر النصر على الطغاة عائلة الأسد الهارب بوئد الطائفية ، وخجلها الظاهري من أن تطفو على السطح ، لكن سرعان ما استفاق الشعب من نشوة النصر وبدأت تتجلى الطائفية بأقبح مظاهرها .. من قتل و ذبح وتنكيل بحجة الانتقام من بقايا النظام البائد .
رغم الحسم بوجود الطائفية في الثقافة السورية إلا أن الطائفية بشكلها المتشدد يعتبر عنصرا دخيلاً على المجتمع السوري الذي يعد شعباً عاطفيا متسامح بعض الشيء.
لكن رأس السلطة السابق استمر بعمليات التجييش الطائفي ، وخلق المشاحنات والنزاعات بعدة أشكال بين مكونات الشعب السوري الواحد للحفاظ على زعزعة السلم الأهلي ونزعة الكراهية ، ودعم الحرب الأهلية بين أبناء الوطن الواحد .
للطائفية أشكال عدة يطول الحديث عنها .. لكن في وقتنا الحالي الطائفية السياسية المغلفة بطابع ديني تصدرت المشهد السوري عن كثب .. والضخ الإعلامي المحرض لهذه الطائفية يعد الأكثر تعصباً ، وأكثرها خطورة على الواقع السوري .
وهي عملية تجييش وتحريض وتفرقة ممنهجة ، تخدم فئة على حساب باقي الفئات ، لبث الكراهية والحقد وإحداث شرخ في المجتمع .

وهنا يكون مصير الشعب لعبة يسهل التحكم بها ، و يتكون داخل كل دولة دولة أخرى من طائفة معينة .
وبالنظر إلى جميع مكونات الشعب من اتباع الأديان والطوائف ، وبشكل خاص بعد انتهاء الثورة ضد نظام الأسد البائد ، نجدها قد وقعت في فخ النزاع الطائفي برعاية جهات وسلطات تعمل على الأرض لترفع مستوى النزعة الطائفية .
وبالتفكير في عوامل تلك النزعة الطائفية وأسبابها التي كما يقولون عامة “زادت الطين بلة” نجد أن تدخل الأطراف الخارجية التي تتحالف مع الأطراف المتحاربة تعمل على تأجيج النزاع والانقسام .
وقيام أحد أطراف النزاع بجرائم وانتهاكات زرعت في داخل باقي الأطراف نزعة الانتقام.
وما زاد الأمر تعقيداً وأدى إلى تفاقم الصراعات والتوترات الطائفية هو الانهيار الشامل الاقتصادي والاجتماعي ، الذي أدى إلى انهيار البنية التحتية و فقدان الوظائف وارتفاع معدلات الفقر. فأصبح الحديث السياسي الطائفي بمتناول الجميع “الصغير قبل الكبير” وزادت الضغينة بين مكونات الشعب السوري، نتيجة الإعلام الطائفي والتعليقات السلبية وسياسة تخوين الآخر .
ونتيجة بحثنا عن علاج الطائفية نجد دائماً أن الإسكات القسري والإجبار والتهميش والقهر ، كان من أهم العلاجات بوجود الأجهزة الأمنية القمعية و المتشددة السابقة .
وفي الوقت الحالي بعد تغير السلطة ومع محاولات القضاء على الطائفية ، تبقى القوانين والضوابط ما زالت قاصرة عن العمل ، وأهمها دستورياً المساواة التامة بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات ، وحماية خصوصية الأقليات الثقافية والدينية .
والشفاء من الطائفية يبدأ من السلطة الأعلى للبلاد ألا وهي الرئيس والدستور الذي يتم وضعه، ومدى مرونة النصوص في هذا الدستور واحترام الأقليات و المساواة بين كافة الشعب دون تحيز ديني أو طائفي أو عرقي .
لأن الإصرار على أن يتضمن الدستور بنداً على أن دين الرئيس هو الإسلام هو مطلباً طائفياً يُنمي سياسة الإقصاء ، مع التأكيد على عدم حاجتهم لدسترة دين الرئيس لأن غالبية الشعب السوري من الإسلام ، والانتخابات كفيلة بنجاح أي رئيس كفؤ يحقق تطلعات شعبه.
وللعمل على إنهاء هذا الفكر المتطرف الذي يحث على الكراهية والفتنة ، ويستغل غضب بعض فئات الشعب السوري لإشعال الحروب الأهلية فيما بينهم ، يجب اتخاذ تدابير سريعة والاعتراف الرسمي بوجود الطائفية على مدى الجغرافية السورية ، والعمل على خروج المقاتلين الأجانب الذين قاموا بالانتهاكات الصارخة على بعض المناطق السورية المأهولة من الأقليات ، و سن التشريعات القانونية التي تجرم الفكر الطائفي بأشد العقوبات ، تفعيل دور العدالة الانتقالية بشكل قانوني وبأسرع وقت للحد من الانتقام العشوائي نتيجة الظلم الواقع على ضحايا النظام السابق والنظام الحالي .

ـ محاربة كافة وسائل الإعلام التحريضي وفضح مخططاته
والخطوة الأهم هي التشجيع على التعاون والحوار البناء بين جميع الأطراف في سوريا لتحقيق السلام والاستقرار ، وذلك بدعم من مؤسسات المجتمع المدني عبر برامج توعوية .
وفي ختام الحديث فإن وضع جسور التعاون بين النخب والمثقفين والكفاءات السورية والمؤسسات بشكل ودي، والدعم والتشجيع المعنوي والمادي لمؤسسات المجتمع المدني برعاية القانون و بعيداً عن لغة السلاح و الإسكات القسري الذي عانى منه الشعب ، سيكون هو العلاج السحري للطائفية المتغلغلة منذ عقود .
بقلم الاستاذة حنين حديفة| محامية و ناشطة حقوقية
