رؤية المحرركلمة رئيس التحرير

السوريون بين ذكريات الماضي الأليم ….. وهواجس المستقبل الغامض

بقلم : رئيس التحرير

لطالما كانت سوريا واحدة من أكثر الدول العربية زخماً بالتاريخ فهي تشتهر بتنوعها الاجتماعي والثقافي ، كما أنها تعتبر موطن لأقدم الحضارات في الشرق، فمنها كانت بداية الزراعة وتدجين الحيوانات منذ 9000 سنة، وأولى التجمعات الحضارية للإنسان القديم، وكانت أساس النشاط البشري فيها حيث قامت الكثير من الحضارات، غير أن العقود الأخيرة حملت معها تحديات كبرى وضعت السوريين أمام واقع أليم يتقاطع فيه الماضي القاسي مع مخاوف المستقبل الغامض.

فمنذ استلام نظام الأسد السلطة، دخلت البلاد في مرحلة طويلة من الحكم الأمني القمعي، حيث أُغلقت الأبواب أمام الحريات السياسية، وضُيّقت فرص العمل، وتغلغل الفساد في جميع مفاصل الدولة.
يعيش السوريون اليوم بين ذكريات الماضي الأليم وهواجس المستقبل الغامض. ففي ظل حكم الأسد، شهدت سوريا فترات من القمع والفساد وانعدام الفرص، مما جعل الحياة صعبة على الكثيرين.

Assad
حاجر امني تابع للنظام السوري
  • الماضي الأليم: استبداد السلطة وتفكك المجتمع

ونبدأ من القبضة الأمنية وتحكم النظام في مفاصل الحياة: فمنذ سبعينيات القرن الماضي، تحولت سوريا إلى دولة بوليسية بامتياز، حيث سيطرت الأجهزة الأمنية على تفاصيل الحياة اليومية للمواطنين، وفُرضت الرقابة على الصحافة والإعلام، وقُمعت أي أصوات معارضة، وانتشرت الاعتقالات التعسفية، ما خلق حالة من الخوف والتوجس المستمر بين السوريين. أصبح الولاء للنظام شرطاً أساسياً للترقي في الوظائف والمناصب، في حين أُقصي كل من لا يثبت ولاءه المطلق، أي أن المنظومة الأمنية كانت تسيطر على كافة جوانب الحياة في سوريا، مما أدى إلى انتشار الفساد والمحسوبية، وأصبحت المؤسسات الحكومية تخدم مصالح القلة على حساب الأغلبية، وهو ما أدى بطبيعة الحال إلى شعور العديد من السوريين بالظلم والإحباط.


لم تكن الهيمنة الأمنية هي المشكلة الوحيدة، بل رافقها انتشار الفساد بشكل ممنهج، حيث أصبح الثراء مرتبطًا بالقرب من السلطة بدلاً من الكفاءة والعمل الجاد. احتكرت فئة محددة من رجال الأعمال المرتبطين بالنظام السوق الاقتصادية، بينما حُرم معظم السوريين من فرص العمل الكريمة، وعلى الرغم من غنى سوريا بتنوعها الطائفي والإثني، إلا أن النظام لعب على وتر الطائفية واستخدمها كأداة لبث الفرقة بين السوريين، مما زاد من التوترات الاجتماعية وخلق حالة من عدم الثقة بين أبناء الوطن الواحد.
هذه السياسة تركت أثراً عميقاً ما زال السوريون يعانون منه حتى اليوم، خصوصًا بعد الحرب وما خلفته من شرخ مجتمعي كبير، وهو ما تسبب في هجرة واسعة للعقول السورية إلى الخارج، بحثًا عن فرص لم تكن متاحة داخل البلاد.

772481 1930733311
  • هواجس المستقبل الغامض: هل يمكن بناء سوريا جديدة؟

إن أحد أكبر التحديات التي تواجه سوريا اليوم هو إعادة ترميم النسيج الاجتماعي الذي مزقته الحرب وسياسات التفرقة، وعلى الرغم من الدمار والآلام، لا تزال هناك بوادر أمل بأن السوريين قادرون على تجاوز خلافاتهم وإعادة بناء مجتمع متماسك. لكن تحقيق ذلك وإعادة بناء تلك الروابط يتطلب جهودًا كبيرة في المصالحة الوطنية، وتعزيز مفهوم المواطنة بعيدًا عن الانتماءات الطائفية والعرقية.


وهنا يتساءل العديد من أبناء الشعب السوري :
هل ستنجح سوريا في تخطي العقبات أمام رسم مستقبل مشرق للسوريين؟ وكيف ستكون سوريا الجديدة في ظل التحديات الراهنة؟ هل سيتمكن السوريون من الحصول على فرص عمل بالتساوي بين كل الطوائف؟
نستطيع القول بأن مستقبل سوريا يتوقف على طبيعة النظام السياسي الذي سيتم بناؤه في المرحلة القادمة، فهل ستتجه البلاد نحو نظام قائم على العدالة والمساواة، أم ستبقى أسيرة لنفس النهج الاستبدادي؟ إن نجاح أي تحول ديمقراطي يتطلب إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس نزيهة، وضمان استقلال القضاء، وإرساء مبدأ تداول السلطة، حتى لا تتكرر المآسي السابقة.

ورغم التحديات الكبيرة التي تواجهها سوريا، هناك أمثلة على نجاحات فردية ومبادرات مجتمعية تهدف إلى تحسين الوضع. يتطلب تخطي العقبات التعاون بين جميع الأطراف والعمل على بناء مستقبل مشترك يشمل جميع السوريين.
من جهة أخرى فإنه وبعد أكثر من عقد على الحرب، أصبح الاقتصاد السوري في حالة يُرثى لها، حيث يعاني المواطن من ارتفاع الأسعار، وتدني مستوى المعيشة، وانعدام الفرص الوظيفية، السؤال المطروح هو: هل يمكن إعادة بناء اقتصاد يوفر فرصاً متساوية للجميع؟ لا شك أن تحقيق ذلك يتطلب إنهاء سيطرة النخب الفاسدة على مقدرات البلاد، وفتح المجال أمام استثمارات حقيقية تعيد بناء الاقتصاد بشكل عادل، وهو ما أشارت إليه الحكومة الانتقالية في معظم جلساتها الحوارية ، كما أن مسألة تحقيق المساواة في فرص العمل تعتبر تحدياً كبيراً أمام أي حكومة ستقود المرحلة المقبلة وهو ما يطمح إليه معظم السوريين ، حيث يجب على سوريا العمل على إنشاء نظام اقتصادي يتيح للجميع فرص متكافئة بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية.


أستطيع القول بأنه لا شك أن المستقبل السوري لا يزال غامضاً، ولكن يبقى الأمل قائماً في قدرة السوريين على تجاوز المحن وبناء وطن يحترم حقوقهم ويوفر لهم حياة كريمة، فالطريق ليس سهلاً، لكن بالإرادة والعمل الجماعي، يمكن أن تتحول سوريا إلى دولة ديمقراطية مستقرة تعود لأبنائها الذين عانوا كثيرًا، ليعيشوا أخيرًا كما يستحقون، وهو العيش في دولة العدالة والمساواة التي تضمن حقوق ابناء شعبها دون أي معايير مزدوجة أو محسوبيات.

رئيس التحرير: الأستاذ عادل قطف

زر الذهاب إلى الأعلى