الأطباء الشبان في تونس: أزمة متفاقمة وضرورة تحركات عاجلة

تعاني تونس اليوم من أزمة صحية شاملة تؤثر على جميع المستويات، ومن بين أكثر المتأثرين بهذا الواقع الأطباء الشبان الذين يمثلون عصب القطاع الصحي ومستقبله، إذ يعانون من ضغوط نفسية وبدنية هائلة، بالإضافة إلى مشكلات مهنية ومالية تُهدد استقرارهم واستمرارهم في ممارسة المهنة التي اختاروها من أجل خدمة الوطن والمواطنين.
وتتمثل أبرز التحديات التي تواجه الأطباء الشبان في طول ساعات العمل، خاصة أثناء مناوبات الاستمرار التي تُلزمهم بالبقاء في المستشفيات لساعات قد تمتد إلى أيام، ومن هنا أكد العديد من الأطباء على أن هذه الضغوط المستمرة تؤدي إلى حالات إرهاق حاد، ترافقها زيادة في معدلات الاكتئاب، حيث يشعر الأطباء بعدم التقدير لجهودهم، كما أن العديد من الدراسات في هذا السياق أثبتت أن البيئة المرهقة تؤثر سلبًا على الأداء المهني، مما يعرض حياة المرضى للخطر.
لا يقتصر الأمر على ذلك فقط بل إن المستشفيات الحكومية في تونس تعاني من نقصٍ حادٍ في الموارد والمعدات الطبية، مما ينعكس على جودة التدريب الذي يتلقاه الأطباء الشبان، فبدلاً من أن يحصلوا على الفرص اللازمة لتطوير مهاراتهم، يجد هؤلاء الشباب أنفسهم يعملون في بيئات لا توفر الدعم الكافي لتحقيق هذا الهدف.
ومن جهة أخرى تنعكس الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، على الأطباء الشبان الذين يعانون من تدني مستويات الأجور مقارنةً بحجم المسؤوليات الملقاة على عاتقهم، هذا الواقع يدفع الكثير منهم للتفكير في الهجرة بحثًا عن فرص أفضل، مما يؤدي إلى نزيف العقول الذي يُضعف قطاع الصحة في تونس على المدى البعيد.
واستجابةً لهذا الواقع المتأزم، بادرت المنظمة التونسية للأطباء الشبان بإطلاق تحركات تهدف إلى تحسين ظروف عمل الأطباء. تحت شعار “حالة طوارئ قصوى”، دعت المنظمة إلى اجتماعات عامة في كليات الطب لمناقشة التحديات التي تواجه الأطباء، ووضع خطط عملية للدفاع عن حقوقهم، بما في ذلك تحركات تصعيدية قد تشمل الإضرابات أو التعبير عن المواقف بوسائل أخرى.
كما انتقد رئيس المنظمة التونسية للأطباء الشبان ((وجيه ذكار)) مطالبة بعض المستشفيات العمومية للمرضى الذين سيخضعون لعمليات جراحية بجلب مستلزمات طبية على غرار الضمادات والقفازات ومواد التعقيم، معتبرًا أن ذلك يكشف عن واقع صحي متدهور يتناقض مع ما تروّجه وزارة الصحة من “نجاحات”.
مشيراً عبر تدوينة على فيسبوك، إلى وثيقة صادرة عن المستشفى الجامعي الرابطة بتونس العاصمة، تُلزم المرضى بشراء مستلزماتهم الطبية، مؤكدًا أن هذه الممارسة متكررة في المستشفيات العمومية، داعيًا وزارة الصحة إلى التخلي عن “البروباغندا” ومواجهة الأزمة بجدية لضمان حق المواطن في العلاج دون أعباء إضافية.
واعتبر رئيس المنظمة أن هذه الظروف غير مقبولة ويجب التعامل معها بجدية لإصلاح المنظومة الصحية من جذورها، مشددًا على ضرورة توفير المستلزمات الطبية داخل المستشفيات بدل تحميل المرضى أعباء إضافية، في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
من هنا يجب التأكيد على أن الأطباء الشبان يمثلون الركيزة الأساسية لضمان استمرارية النظام الصحي في أي دولة، ومن أجل تحقيق ذلك، يجب على الجهات المختصة في تونس أن تتخذ خطوات جريئة وسريعة لتحسين ظروف عملهم، كما أن تعزيز دورهم كعامل أساسي في تطوير النظام الصحي سيكون له أثر إيجابي ليس فقط على الأطباء أنفسهم، بل على جودة الرعاية الصحية المقدمة للشعب التونسي.
إن الحلول موجودة، لكن تنفيذها يتطلب إرادة سياسية وتعاونًا من جميع الأطراف المعنية، ويبقى السؤال الأهم: هل ستتحرك الجهات المسؤولة لتحقيق العدالة المهنية والطموحات المشروعة لهؤلاء الأطباء؟