من المطبخ إلى الميدان: نساء العراق يكتبن فصلهنّ من الثورة

في بلدٍ جُبِل على الصبر، واعتاد أن يُسكت أصوات النساء خلف الجدران، خرجت العراقيات من المطبخ إلى الميدان، لا يحملن الملاعق هذه المرّة، بل الوعي، والصوت، والعناد.
إنها ليست مجرّد مشاركة رمزية في احتجاجات أو دعم من خلف الشاشات، بل هي انتفاضة وجودية على كل منظومة سعت لتهميشهنّ، واحتكار تعريف “الوطنية” و”الرجولة” و”الشرف” في قاموس ذكوري ضيّق.

كانت المرأة العراقية — وما زالت — في قلب كل معركة خاضها هذا الوطن، من حروب السلطة إلى معارك البقاء. غير أنّها في ثورة تشرين، كسرت القيد علنًا، وسحبت من أيدي المتسلّطين حقّ احتكار البطولة.
كانت هناك، في خطوط المواجهة، تسعف الجرحى، ترفع اللافتات، تكتب الشعارات، توثّق القمع، وتصرخ في وجه الرصاص بأنّ الوطن ليس مذكّرًا… الوطن أنثى تُهان كلّ يوم.

لم تعد المرأة العراقية تقبل أن تكون مجرّد “ملهمة” أو “رمز للأمومة”، بل باتت صانعة للتاريخ، وشريكة في كتابة ملامح وطن جديد يؤمن بالمواطنة لا بالنوع الاجتماعي.
لقد أدركت أن لا حرية لوطنٍ تُقمع فيه النساء، ولا ديمقراطية تُقصى عنها نصف البلاد، ولا ثورة تُستكمل من دون صوت الأم، والأخت، والابنة، والرفيقة التي حملت الإسعاف في يدها والعلم في الأخرى.

الذين سخروا من دخول النساء إلى الساحات، نسوا أنهنّ أول من وقفن في طوابير الخبز، وأول من ودّعن الشهداء، وأول من جمعن رماد الخراب ليصنعن حياة.
في بلدٍ يحاول تغييب المرأة عن القرار، كانت هي القرار الأخطر: أن تخرج، أن ترفض، أن تحيا حرّة.

الثورة ليست حكرًا على من يحمل السلاح، بل على من يحمل الوعي، والمرأة العراقية اليوم تحمل وعي أمة بكاملها.
هي تكتب تاريخًا جديدًا لا تُختزل فيه بـ”العار” أو “الضعف”، بل بـ”القدرة” و”الكرامة” و”الإصرار على البقاء رغم كل ما يُسحق فيها يوميًا”.

من المطبخ إلى الميدان، لم تكن الرحلة انتقالًا في المكان، بل تحوّلًا في الوعي.
فحين تخرج امرأة عراقية إلى الشارع وتصرخ من أجل وطنها، فهي لا تطالب بحقوقها وحدها، بل تطالب بحق العراق في أن يكون وطنًا عادلًا، يساوي بين أبنائه وبناته.

لن تعود النساء إلى الصمت، لأنّهنّ تعلمن أن الثورة تبدأ من كلمة، وأن الكلمة حين تخرج من فم امرأة مظلومة، تُشعل وطناً بأكمله.
لقد كتبن فصلهنّ من الثورة…
والتاريخ لن يُمحى، ما دام في العراق امرأة تقول: “أنا هنا.”

بقلم الدكتورة : علياء آل هذال/مركز العلا للتدريب والتنمية